دقت ساعتي العتيقة الثامنة توحد معها صوت الإعلان عن ميعاد رحلتي، فحملت حقيبتي الصغيرة ونهضت مسرعه لذلك الباب المؤدى بي للخلاص ,كان أمامي طابور هائل لا أعلم عن وقت تكوينه شيئا لكني فطنت لسرعته حيث يحمل أوجه وشمت في ثناياها أحرف الفرار ,كاد الوقت يمضى بتثاقل مريب وكأن شيئا خفيًا يمنعه من المرور، تنهدت طويلا وعيوني متشبثة في السماء وقلت:أخيرا، يفصلني عن الهروب شخص واحد فقط لأعلن مع خلاصه موعد مولدي، تحركت تجاه ذلك الرجل الذي يحمل في يده الخلاص بشيء يشبه الختم لا أعرف ماهيته ولا أريد أن أعرف، ما يهمني تلك اليد التي بها مصيري، أراحني ما يعلو وجهه من ابتسامة تشكو منه، صاحبها صفعة من يده على أوراق خلاصي بذلك الشيء، هرولت خارجة من الباب ليصافح ملامحي ويضمني بقوة خانقة ذلك الجو الشارد كعقاب لي والذي نفثته الطائرة، رغم ذلك لم يحرك ساكنا بي واستمريت في الهرولة ومحاولتي البائسة في تقمص دور المنتشية من ذلك الحضن الخانق، وصلت لباب الطائرة واستمتعت بذلك الترحاب من مسئوليها، اتجهت لمقعدي واتكأت عليه تغمرني سعادة المنتصر، حان موعد انطلاق رحلتي لعالم أخر، زارني مع أطياف ذلك العالم شعور أفزعني، خوف يتربص بي، يتوغلن شيئا فشيئا كلما استبصر إقلاع الطائرة وصعودها في الهواء امتد بداخلي أكثر يسبقه ريح باردة تمهد لذلك الاحتلال، أحببت العناد رغم كوننا لا نتواءم ولكني قررت خوض التجربة فاستسلمت للنوم الذي أبى أن يعانق عينيّ ولكنه لم يبخل لينثر بعض من مفعوله السحري علىّ، قاومني العناد , حفز تلك الذكريات القابعة في ركن مجهول الهوية بداخلي فداعبت مخيلتي ونسجت شريطا حلق في تلك السماء الشاسعة أمامي،أملت رأسي تجاه النافذة وعيناي مازالتا محلقتان تجاه تجمع عائلتي الكبيرة وضحكاتنا المتطايرة وسط زهور البرتقال التي حانت أن تتفتح فتتمايل طربا، ولوحة فنان خط بريشته أجمل تناسق للألوان عرفه التاريخ في منظر بديع لحمرة الأفق باسطا للشمس بساطه لتسدل أشعتها على الوجود فتهلل الطيور فرحا، صوت الهدهد مسبح ودموع الندى المتساقطة ساعات الفجر الأولى، عظمة المساجد وأجراس الكنائس، أشخاص ذوو قلوب حانية تغزو الشوارع والميادين رغم وجوههم الحاملة لأثار معركتهم مع الزمن، وأطفال تتضاحك أعينهم وتتصافح أصواتهم وتستغيث عقولهم من الشقاوة، انتشى ذلك العناد البغيض حينما سقطت دموعي هاربة منه وأعلنت صرخة بداخلي عصيانها اجتثت من حلقي خارجة بهيئة صوت مرتعش يميل للبكاء أدهش الجميع....عمـــــــار يا مصر